القاهرة فى 5 1ديسمبر 2007م.
في إطار مصطلح الفزاعة الإسلامية وفي إطار الجوانب التي لايتطرق إليها الحديث عادة لاحظت في المقال السابق أن الطرف العريض الذي يمكن تسميته بالطرف الأوروبي يستجيب الآن لرفع هذه الفزاعة بشكل مكثف وبصورة مرشحة للتزايد عما يصدر من جانب الطرف الأمريكي. وبدأت الحديث على أن الطرف الأمريكي أخذ في الاستجابة لرفع الفزاعة بفعل مردودها السياسي لصالح الأنظمة التي ترفعها لأن الأمريكيين منذ البداية طرحوا الخطر الإسلامي الذي يخشون منه في إطار أمني بحت مجرد من الأبعاد الثقافية وحتى الدينية (على الأقل على مستوى الادارة الحكومية وهيئات الاستخبار والجيش) وكذلك فإن هذا الخطر الأمني البحت للفزاعة كان ينظر إليه باعتباره بعيداً عن الأرض الأمريكية ذاتها فوق أنه غير مرتبط بقضية الهجرة غير المشروعة أو حتى المشروعة.
أما الموقف الأوروبي فهو على العكس تماماً وفي كل هذه النقاط. فالخطر الإسلامي المدرك على مستوى كل الفعاليات والهيئات الأوروبية لا يطرح في إطار أمني وإن طرح في هذا الإطار (كما يحدث في حالات العمليات الموصوفة بإسلامية الدافع في السنوات الأخيرة في لندن ومدريد وباريس مثلاً) فهو لايطرح باعتباره الخطر الأعلى وإن باعتباره مجرد عرض أو مظهر للخطر الإسلامي الأكبر وهو خطر يجري الآن وعلى المدى المنظور تعريفه في أطر دينية وثقافية وسكانية وأطر دول إسلامية يخشى منها في الجوار الأوروبي في تركيا وإيران وجنوب المتوسط.
الأوربيون يطرحون قضية الخطر الإسلامي وعلى العكس من الأمريكان على أنها قضية خطر ليس نظرياً أو مجرداً أو بعيداً أو أمنيا بحتاً وإنما على أنها قضية خطر داخلي وملموس ومحسوس ماثل بين ظهرانيهم في ملايين المهاجرين الذين تتزايد أعدادهم وفي انتشار الإعتناق للإسلام واكتسابه أرضاً على حساب المسيحية، وفي طرحه لأنماط عقيدية وثقافية واجتماعية وسلوكية وحتى لغوية تنال من أنماطهم الحضارية والثقافية.
وهذا الاحساس شديد العمق بالحرارة والحدة على ضوء التعصب الأوروبي التاريخي والجارف على المستويات الثقافية والعرقية والعنصرية والدينية (على الرغم من كل إدعاءات العلمانية بالنسبة للأخيرة). هذا التعصب الملحوظ في مجال الدين يختلف عن التعصب الديني الأمريكي الذي يتسم بالسطحية وبالانكشاف على عكس التعصب الأوروبي البعيد القدر والذي يغطي عمقه بادعاءات مختلفة.
وتتلخص المسألة في النهاية في فارق أصبح الآن يبدو جوهرياً بين إدراك أمريكا وأوروبا للمسألة التي عرفت باسم الخطر الإسلامي. وهذا الفارق الجوهري هو بين ما هو بعيد وأمني بحت ونظري، وبين ما هو قريب وشامل وملموس. وهذا الفارق في الإدراك هو الذي يؤدي الآن الى التباين في استجابة الطرفين الأمريكي والأوروبي للفزاعة الإسلامية المطروحة من جانب الدول الدكتاتورية في العالم الإسلامي كوسيلة انتهازية للحصول على تأييد الغرب في سياساتها القمعية ضد شعوبها.
فمع بداية خفوت أو ضعف الاستجابة الأمريكية لرفع الفزاعة وذلك لأسباب عديدة ليس هنا مجال الدخول المتعمق فيها بجانب ما أسلفنا فإن الاستجابة الأوروبية تتصاعد للأسباب التي ألمحنا إليها هنا. وما يهمنا هنا هو تأثير هذا الاتجاه الجديد على سياسات الدول التي جعلت من رفع الفزاعة الإسلامية أحد أهم أركان سياستها الخارجية والداخلية.إن لم تكن الركن الوحيد.
فمن الواضح والمرجح أن هذه الدول سوف تعمد الى التحول في سياساتها في هذا المجال بالذات من رفع الفزاعة في وجه أمريكا الى رفعها في المجال الأول في مواجهة أوروبا مع عدم اسقاط الطرف الأمريكي نهائيا بالطبع. إن العملية أشبه لما يحدث في أسواق الاستثمار حيث يدفع أصحاب رؤوس المال الى المناطق التي تزداد فيها معدلات الربحية. وسوف يهرع رافعو الفزاعة الإسلامية الى السوق الأوروبي الذي أخذت معدلات ربحية وعوائد الفزاعة فيه ترتفع بشكل كبير مؤخراً.
ولما كانت الفزاعة الإسلامية تمثل السلعة الرئيسية لدى الدول الدكتاتورية في العالم العربي والإسلامي فمن المرجح جداً أن الاتجاه لرفعها قبل الطرف الأوروبي أكثر من الأمريكي سوف يؤدي الى تحول ظاهر في الولاءات والتبعية من جانب هذه الأنظمة من الاتجاه الأمريكي الى الاتجاه الأوروبي. على أن تفهم الطرف الأوروبي هنا بمعنى يعلو على مجرد الحكومات الأوروبية ليشمل كما أسلفت في المقال السابق هيئات مثل الكنائس والمنظمات الأوروبية الكبرى... الخ.
ومن هذا المنطلق فإن تغيير مفهوم واستخدام الفزاعة الإسلامية قد يؤدي الى تغييرات سياسية أوسع نطاقاً بكثير من مجرد تغيير في الطروحات الانتهازية المألوفة.